عنوان

مواقف في التسامح من التاريخ الإسلامي والإنساني

التصنيف
عامة
المصدر
د. محمد شهمات, 2021
وصف
للتّسامُح مَواقفِ ثّابتةِ في التاريخ الإسلامي والإنساني.

للتّسامُح مَواقفِ ثّابتةِ في التاريخ الإسلامي والإنساني مِن جانِب الإقرار بأنَّ البَشر مُختلفين بِطبعِهم وفي مَظهرِهم وأوضاعِهم ولُغاتِهم وسُلوكِهم وقِيَمِهم، ولَهم الحقّ في احترام إنسانيَّتهم، والعيش المُشترك مَعهم في وِئام. والتَّسامح لا يَتحقَّق بالاعتقاد فَحسب، بل بالتَّطبيق والمُمارَسة والتزام المَواقِف الإنسانيَّة والأخلاقية السامية. فمِن المَواقِف المشهورةِ على سبيل المثال في تاريخ التّسامح الإنساني ما سَجَّلته التَّجربة الرّومانيّة مِن مُمارسات إنسانيّة، والمُتمثّلة في إصدار مَرسوم ميلانو في إيطاليا عام 313م، والذي عُرِف عِند المُؤرِّخين بمَرسوم التّسامح مَع المسيحيين، ومَع الديانات الأخرى، وهو مَوقِفٌ تاريخي يَضمن حرِّية مُمارسة الشَّعائِر الدينية، ويُعلن رَسميّاً نبذ العُنف وخِطاب الكراهيّة. ووَثَّق تاريخ التراث الإسلامي مَواقف إنسانيّة ثابتة تُؤكد تَسامح المُسلمين مَع الشّعوب الأخرى على المُستوى النّظري والعَملي، حيثُ تَناوَل الإسلام قيمة التّسامح نَصاً وواقِعاً، تُرشِد إلى ذلك العَديد مِن الآيات البيِّنات الدّاعية إلى التّسامح كَدَفْع السَّيِّئة بالحَسنة مِثال منطوق الآية الكريمة: (...وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أولئك لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) ، وقد قدّم النَّبي عليه الصّلاة والسّلام مِن خلال سيرته الشّريفة أمثلةً تطبيقيّةً وعَملية في مُمارسة هذه القيمة، وظلَّت تِلك القيمة سِمة مِن سِمات حضارة الإسلام، مِنها قِصّته مع ما اصطلح عليهم بالطُّلقاء مِن قريش إبّان فتح مكة، حَيث أمَّنَهم على أنفسِهم ، وعَفى عَنهم وسامَحَهم  رَغم ما لَحِقه مِنهم مِن إيذاء، ويُستخلص مِن هذا المَوقف دروس وعِبَر عن أبعاد التسامح النَّبوي، فكان نموذجاً حيّاً للعفو والمَغفرة. ومِن أمثلةٍ مُماثِلةٍ عن حُضور المفهوم الإنساني للتَّسامح في المُجتمع المُسلم، ما جاء في قصَّة وَفد نَجران المَسيحي  حيثُ أنزلَهم الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام في المَسجد، ولمّا حان وقت صَلاتهم، سمح لَهم بالصَّلاة في المسجد، فكانوا يُصلّون في جانب منه، ولمّا حاوروه، حاورَهم بسِعة صدر ورحابة فكِر، وجادلَهم بالتي هي أحسن، ولم يُكرههم على الدخول في الإسلام، بل تَرك لهم الحرية في الاختيار، وبِنفس بِروح الأخوة الإنسانيّة كان عهد الصَّحابة رِضوان الله عليهم امتداداً للهَدي النَّبوي في المُعاملة بقيم التسامح مع المُسلمين ومع غيرِهم. وفي عَصر التَّنوير، خِلال القرن الثامن عشر للميلاد، سادتْ مِن قِبل المُفكرين مَواقف الدَّعوة إلى عَدم اضطهاد أي إنسان، وهي نابعة أساساً مِن فكرة التَّسامح بِأبعادِها وقِيَمها كحاجة إنسانيّة تأسَّست على مبدأ إنساني، جوهره ألاَّ أحد يَملك الحقيقة المُطلقة، وهذا مُؤدّاه ضرورة الإيمان بالاختلاف، وضرورة التّواصل بين الإنسان وأخيه الإنسان في إطار القبول بالآخر. فقيمة التَّسامح في التاريخ الإنساني والإسلامي عَبر الموافق السّابقة، هي مِن تَجلِّيات النَّزعة الإنسانيَّة الخَلاَّقة، تِلك النزعة المُنبعِثة مِن الفِطرة السَّليمة، وبِقدر ما يظهر التَّسامح نَوازِع الخير في الذات بِقدرِ ما تَسمو العلاقة مَع الآخر.

X
تساعدنا ملفات تعريف الارتباط في تحسين تجربة موقع الويب الخاص بك. باستخدام موقعنا ، أنت توافق على اسخدامنا لملفات تعريف الارتباط.
غلق