صِلة التسامح بحقوق الإنسان
نمت الصِّلة بين التسامح وحقوق الإنسان في عُمق التّجربة الإنسانيّة مع نشأة التعدّدية في المُجتمعات البشرية، إذ كُلِّف الأنبياء والمرسلون عليهم السّلام ضمن مهامهم الرئيسة بترسيخ القيم الروحية والأخلاقية الكونية وحماية الحقوق، وتعزيز التّفاهم والتعاون بين البشر في مُجتمعاتهم.
لقد وَرَدت قيم حقوق الإنسان والتسامح عبر التاريخ، في حضاراتٍ قديمةٍ وتجارب إنسانية متعاقبة كما يؤكد الباحثون؛ حيث تناولتها القوانين البابلية لحمورابي، وشرائع الوصايا العشر ضمن الآثار الموسَوِية. ولأنّ الإسلام امتدادٌ للرِّسالات السماوية السابقة فقد حظي فيه التسامح بحضور بارز مهم، سواء في تراثه أو مصادره الرئيسة.
واستناداً إلى هذا الاقتران التاريخي، والعلاقة العابِرة للزَّمان والمكان بين حقوق الإنسان والتسامح فإنَّ المفهوم المُعاصر للتسامح يقوم على رُكن كرامة الإنسان ومراعاة حقوقه البشرية من غير تمييز، لذا فقد أتت المُعاهدات والمواثيق العالمية لحقوق الإنسان لتُؤيّد هذا التلازم، وعلى هذا الأساس ربط الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن المؤتمر العام لليونسكو في عام 1995 بين حقوق الإنسان والتسامح والديمقراطية والسِّلم؛ الذي ينصُّ على التزام الأمم المتّحدة بدعم قيم التسامح مِن خلال تعزيز التفاهم المُتبادل بين الثقافات والشعوب، فباتت هذه الحقوق في المجتمع رهينة قناعة الفرد بالتسامح، وتنظيم المُجتمع على أصلِ التّسامح الذي يَحثُّ على التّواصل والانفتاح بين الأديان والثقافات.
إنَّ العلاقة العُضوية بين حقوق الإنسان والتسامح أدّت بالمُجتمعات المُتحضِّرة إلى التأصيلِ القانوني للتسامح الإنساني، ووضع اللّوائح التشريعية الضابطة لكلِّ ما مِن شأنه المَساس بشرعية هذا المبدأ. وتعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة في هذا السياق قدوة يحتذى بها في مجال حقوق الإنسان والتسامح الإنساني العالمي، إذ أعطت أولوية قصوى لقيم احترام حقوق الإنسان، مستمدَّة ذلك من تراثها الثقافي ودستورها الذي يكفل الحريات المَدنية للجميع، ومنظومتها التشريعية التي تعزز مبادئ العدالة والمساواة والتسامح، واحترام الحقوق، ودعم العمل الإنساني والإغاثي وِفق مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
إنَّ التسامح ثقافة مُجتمعية انتقلت مِن دائرة الأخلاق إلى دائرة الالتزام في القانونين الداخلي والدولي اللذين أوجبا المساواة بين أبناء البشر كافة، ومَنعا التمييز بكل أشكاله في المجتمعات المعاصرة، مما أسهم في تزايد اهتمام المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بالحقوق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للأفراد والمجتمعات.