عنوان

الحــوار مـــع الآخـــر

التصنيف
عامة
المصدر
د. محمد شهمات, 2021
وصف
الحِوار مع الآخرِ في الإسلام قرينَ الحِكمة والموعظة الحَسنة.

وِفق سُنَّة كونيَّة ثابتة، خلقَ الله البشرَ مُتباينين مُتمايزين في طَبائِعهم و خِلْقِهم و خُلُقِهم وقناعاتِهم (...ولذلكَ خَلقَهم...)  لأجل غاية ساميَّة تكمُنُفي تحقيقِ معنى التَّعارفِ الوارِد في قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ...) ، فجَعلمِعيار التَّعارف سبيلاً للتَّقاربِ الإنسانيِّ في إطار وحدةِ الأصل البشري، ليظلَّ الائتلاف قائماً بِتبنّي خِيار الحِوار الذي ارتضاهُ الله تعالىللنَّاسِ منهجاً لعِمارةِ الأرض. والحِوار عمليَّةٌ تواصليَّةٌ إنسانيَّةٌ طابَعُها فردي واجتماعي، يعتمد على أسلوبِ المُكاشفةِ والمُصارحَة،  باعتبار أنالمُحاورة  مُراجعة  للكلام  بين طرفين أو أكثر، فهو بذلك نِظام لغويّ للتَّخاطبِ، قد يكون ذاتياً كأداة مُراجعة المرء لأعمالِه وسلوكِه وآرائِه، وقديكون مع الآخر المُغايِر لمُراجعة الكلام في شأنٍ مَّا، لغرضِ تعزيزِه أو تصويبِه، أو تطويرِه، والوصول فيه إلى التّفاهم والتّكامل. فالآخر رغم أنهمَفهوم مُتعدِّد المعاني، إلاَّ أن هناك ثِمَّة اتفاق على أنه يُمثـل كل ما سِوى الذّات.   لقد أسَّس الإسلام رؤية كونيّة مُتوازِنة ومُتكاملة في الحواروالاتّصال والتّفاعل مع الآخرِ المُغايِر، فالقرآن الكريم في مَبْناه ومَعْناه كِتاب حِوار، باستعمالِ لفظ "الحوار": (...فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ...)، وتأصيلِ ثقافتِه، والاعتراف بالآخر نظريّاً وعَمليّاً من خلال العديدِ من الدَّلائِل استجابةً للواقعِ الاجتماعيِّ والإنساني، المُتَّسِمِ بالتَّعَدُّدِوالتَّنَوُّع، ويتمثل ذلك في قِصص الأنبياء والمُرسلين عليهم السَّلام، وحِوارهم مع أقوامِهم في التَّعريف برِسالاتِهم السَّامية بالحُسنى و(... بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ...) ، واضعاً بذلك النَّص القرآني آداباً وشروطاً ومُعجماً للحوار العاقل مع الآخر، كما تدلُّ صِيغ أفعال "القول" ،على عِناية كتاب الله بالحوار مع الآخر، مِصداقاً لقوله تعالى: (فَـقُـولَا لَهُ قَـوْلاً لَّيِّناً....) . وسجَّلت السُّنة النبويَّة نماذِج من التَّخلُّقِ بالخاصيَّةالحِواريَّة، الفرديَّة والجماعيَّة، بمختلفِ مُستوياتِها وأساليبِها في حوارِه عليه الصَّلاة والسَّلام مع الآخرين على اختلافِ مَشارِبهم، على سبيلالمِثال كحِواره مع وفد ثقيف ، بسَماحة وخُلق  وحُسنى، ولقائِه وحوارِه عليه الصَّلاة والسَّلام مع وفد نَصارى  نَجْران ، وهي مشاهِد حِواريَّةتناولَها القرآن الكريم، وتداخلتْ مع أحداث السّيرة الشريفة مُوجّهةً ومُبيِّنةً وهاديةً النَّاس إلى الخيرِ والفضيلةِ والرَّشادِ، في إطار مُشترَك منالقيمِ الإنسانيَّة العُليا (...تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ...)  وذلك لترسيخِ الاقتناع بالحٍوار، كنهجٍ وأسلوبٍ للتَّسامح والتَّعايش. فبهذهالمعاني والآداب السَّاميَّة، يكون الحِوار مع الآخرِ في الإسلام قرينَ الحِكمة والموعظة الحَسنة، لهُ بُعدٌ وظيفيٌّ تَوَاصُلِيٌّ وترْبويّ، يهدِف إلىتعزيزِ القِيمِ والأخلاقِيات الإنسانيَّة، والتَّفاهم المُتبادل، والعيش المُشترك، وبِناءِ السَّلام، مِمَّا يضمن استدامة الخير لبني البشر، بتعدُّدِهالثَّقافي والحضاري، ويُحقِّق له السَّعادة والرَّخاء في الحَال والمآل.

X
تساعدنا ملفات تعريف الارتباط في تحسين تجربة موقع الويب الخاص بك. باستخدام موقعنا ، أنت توافق على اسخدامنا لملفات تعريف الارتباط.
غلق