عنوان

التسامح العالمي

التصنيف
عامة
المصدر
د. محمد شهمات, 2020
وصف
أضحى التسامح اليوم مَطلباً عالمياً.

أضحى التسامح اليوم مَطلباً عالمياً تزداد ضرورته مع اتساع تنوع خُصوصيات المُجتمعات الإنسانية الثقافية والدينية والعِرقية، فكلَّما سادت قيم التسامح واتسعت دائرتها كلّما انحسر مجال التنافر وعَمَّ والانسجام الفعلي بين أفراد المُجتمعات على مستوى العالم.   إنَّ صورة التسامح العالمي لا يمكن أنْ تكتمل إلاّ في سياق توسيع مفهوم التسامح ليشمل جميع المجالات الحيوية كالثقافية والدينية والاجتماعية وغيرها، لِذا فإن توطيد قيم السّلام والتسامح والتعايش المجتمعي يقتضي تظافر الجهود لتطبيق التسامح مَحلياً كي يُثمر عالمياً. كما أنَّ المواثيق الدولية تدعو إلى التسامح العالمي وإرسائِه في المجتمع العالمي لاسيما المبادئ التي اعتمدتها اليونسكو في عام 1995، بنصِّها القائل: «التسامح يعني الاحترام والقبول والتقدير للتنوّع الثري لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصّفات الإنسانية لدينا..» ، وعلى هذا الأساس فالتسامح سلوك يجعل مِن الفرد مُواطناً عالمياً تستقيم له الحياة حيثما كان.   إنّ السّبيل إلى تحقيق مبدأ التسامح العالمي ومُمارسة قِيَمه الإنسانية يَنبع بالأساس مِن قناعات الإنسان وفِكره ووجدانه أولاً، ثم ترسيخه مِن خلال المُمارسة والمشاهدة ثانية، غير أنّه ينبغي البُعد عن احتكار الحقيقة ونزع حق الآخرين في تبنّي ما هو مُغاير للسّائد. فمَلَكات البشر الفكرية والنقدية تتباين لتباين صِفاتهم الحِسّية والمعنوية التي جُبلوا عليها. وإلى هذا يشير قوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ ولذلك خَلَقَهُمْ...) ، لأنّ التّنوع والاختلاف جُزء مِن هدف النشأة والتكوين والخلق، فالتَّنوع والتّعدُّد غنى للبشرية، وسبيل للتقدم والرّقي، ومِن ثمَّ فإنّ التسامح العالمي غاية سامية يتطلب تَعاضُد الجهود وتفاهم الشعوب، واستيعاب الآخرين لتكوين مُجتمع عالمي متآلف؛ حيث يعلو فيه صوت الحِكمة فوق كل صوت، ويكون ولاء الإنسان لأخيه الإنسان مِن غير تعصُّب أو تمييز.   إنَّ التّنوع الثقافي بينَ البشر في العالم بأسره، ما هو في حقيقة الأمر إلا تكامل حضاري، فيُكمّل بعضهم بعضاً لتلبية احتياجاتهم وتنمية مُجتمعاتهم. ومَهما تمايز البشر فالمُشترك الإنساني الرّحب يُتيح للبشرية مجالات أوسع للتعاون والتشارك والاستفادة مِما ميَّز الله تعالى به كل مُجتمع عن غيره. والمُتأمِّل في سِعة الفوارق وثراء التنوُّع بين الخَلق الوارد في الآية: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ)   تُحفِّزه على الخير، والتفاعل البَنّاء بين شعوب العالم بما يَخدم البشرية ويحقق لها سبيل العيش المُشترك الكريم في ظِلِّ وحدة الإنسانية. إنَّ إِرساء أُسس التسامح في المجتمع العالمي يستدعي تعزيزه على صعيد الفرد والأسرة والمجتمع. لاسيما أنّ الوضع العالمي اليوم ليعكس بوضوح أهمية قيمة التسامح لِدفع قُدُماً مُسبِّبات الرفاهية والسعادة وجودة الحياة؛ التي ينشدها البشر كافة بدون استثناء.

X
تساعدنا ملفات تعريف الارتباط في تحسين تجربة موقع الويب الخاص بك. باستخدام موقعنا ، أنت توافق على اسخدامنا لملفات تعريف الارتباط.
غلق