عنوان

رمضان وبناء الإنسان

التصنيف
عامة
المصدر
د. محمد شهمات, 2020
وصف
تكمنُ غاية رمضان في بناء الإنسان روحاً وجَسدا.

يُعدُّ الإنسان صانِع النّهضة، والمُهيّأ للتَّدبُّرِ والتَّفكُّر، لِذا اعتبِر هذا الكائِن البشري مِن أهمِّ المَهام التي يستلزِم الاهتمام بهِ ورعايته. وشهرُ رمضان لِكونِه زمنٌ شريف، نَزَلَ فيه القرآن الكَريم، وكُتب وصُحف سَماويَّة على رُسُلِ اللهِ وأنبِيائِهِ عليهِم السَّلام، يُعدُّ أفضل مُناسبة يَقِفُ فيها الإنسان روحاً ومادةً مع نفسِهِ ومع الحياة، مَحَلَّ تأمُّل ومراجعة. تكمنُ غاية رمضان في بناء الإنسان روحاً وجَسداً فينعكِس على تَصرُّفاتِه وسُّلوكِه، لهذا يرى "الغزالي" أنّ مِن أهمِّ ثمراتِ شهرِ رمضان لاسيما في أداء الصِّيام، تنشيطه القدرة على الحياةِ مع الحِرمان، ابتغاء ما عندَ الخالقِ تعالى، مِمّا يُنمّي لدى المرء، إلى جانب اهتمامِه بجسدِه، تزكيته لِروحِه في ثنائية مُتفاعلة  على الدّوام، ويَدعم حياة الانسان في عِمارة الكون، وأداءِ أمانة الاستخلاف، كما في قوله تعالى: (...إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَة...) ، وذلك بما يُسهِم في استقرارِ الأسرة والمُجتمع على حدٍّ سواء. ومِن المَواقف التي تُظهِر أثرَ صِيام رمضان في بِناء الإنسان أنَّ الصَّوم لم يَمنع على الإطلاق السلف الصّالح مِن الجِدِّ والاجتهاد، وعُلو الكعبِ في صِناعة الخيرِ وطلبِ العِلم. فهذا الإمام الشَّافعي كان يُكثِر مِن كِتابة العلوم والتأمُّل في النُّصوص إبّان رمضان، وكثيراً مِمّا وَصلَنا اليومَ مِن تَصانيف وأمهات كُتب عنِ الإمام الشّافعي قد ألّفَها في رمضان. فعن الرّبيع بن سليمان قال: «كان الشّافعي قد جَزَّأَ اللَّيل ثلاثة أجزاء: الثُّلث الأول يَكتُب، والثّلث الثّاني يُصلّي، والثُّلث الثّالث يَنام» ، لأنَّ الخالق قد اختص هذا الموسم بفَضائِل عَظيمة، لاغتنام أيَّامِه ولَياليهِ بأَعْظَمِ القُرُبَاتِ، والاستِعداد الرّوحي والمَعرِفي في تدبُّرِ بَيِّناتِه، كَكِتاب حياة، أُنْزِلَ هُدىً لِبني البَشر، لقوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ..) ، ضَماناً لسَعادتِهم الحقيقيّة الحاليَّة والمآليَّة، وكانَ ذلك (...فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ...)  رفيعة "القدر" . ولَعلَّ ما يُفسِّر الحَثّ المُتواتر على استثمار أزمِنة رمضان التّأسي بالنّبي عليه الصَّلاة والسَّلام، لاسِيَما في العَشر الأواخر منه ، في أداءِ العِباداتِ وفِعل الطَّاعات ، والتّشمير للجِدّ والاجتهاد، وتحريكِ الهِمَم في عِمارَة الأوقات بِصالِح الأعمال، بدايةً بِتحرّي هِلال رمضان، والصّوم، وتعجيل الفُطور، وتفطير الصَّائمين، وإقامة صَلاة التّراويح، وتأخير السُّحور، وإحياء اللّيالي، لجَني الأُجور المُضاعَفة. بِهذهِ الخُصوصِيّاتِ السَّابقة، فإنَّ رمضان مُناسبة سانِحَة لتَمتين بِناء المُجتمع، الذي يقومُ على حُسنِ "بِناء الإنسانِ" وإعدادِه وتزكيتِه، لِيكونَ قادراً على التَّعامل مع ذاتِه، وجديراً بالتَّفاعل مع مُجتمعِه بنجاح، إلى جانبِ كون القرآن الكريم قرين بشهرِ رمضان، فقد تناول الإنسان في أبعادِه المُتعدِّدة، باعتباره الكائِن الوحيد الذي خَصَّه الله بهذه المَنزلة الرّفيعة. ففي ظِلالِ شهرِ رمضان المُبارك بأيّامِه المَعدودات، والشَّهر الزّاخر بتجلِّياتِ الإحسانِ، وصُوَرِ العطاءِ، ومَظاهر التّسامُحِ والبِرِّ بِلا حُدود، تُغتَنَم فُرَص مَجالات التَّحسين لِفائدة الإنسان لتجديد مُكوِّناتِه روحاً ومادةً، وتوكيدِه للأخوة الإيمانيّة الإنسانيّة معَ ذاته ومعَ سائِر فئاتِ المُجتمع، مِمّا يَضمَن للجميعِ علاقاتٍ اجتماعيةٍ ناجِحة، تَبعثُ الشُّعورَ بالسَّعادةِ والاطمئنانِ والأمانِ والتَّنميةِ المُستدامة.

X
تساعدنا ملفات تعريف الارتباط في تحسين تجربة موقع الويب الخاص بك. باستخدام موقعنا ، أنت توافق على اسخدامنا لملفات تعريف الارتباط.
غلق