عنوان

التعليم عن بُعد: نظام أصيل

التصنيف
عامة
المصدر
د. محمد شهمات, 2021
وصف
تأثر مجال التعليم كهيكل اجتماعي وحَقّ تَمْكيني بتطوّر تقنية الاتصالات تأثّراً فاعلاً، فكـان لهـا الدَّور العظيم فـي إبـراز أهميـة التعليم عن بُعد.

تأثر مجال التعليم كهيكل اجتماعي وحَقّ تَمْكيني بتطوّر تقنية الاتصالات تأثّراً فاعلاً، فكـان لهـا الدَّور العظيم فـي إبـراز أهميـة (التعليم عن بُعد) وجَـدواه الاقتصادية والاجتماعية والثقافيـة في عالَمِ اليوم؛ غير أنَّ هذا النّوع مِن التعليم بمفهومه الواسع، نظام أصيل تمتدُّ جُذوره إلى قرون خَلَت على الرغم من المُفارقة الفسيحة بين الوسائل التعليمية المُتاحة قديماً وحديثاً.
ترجع بعض الكتابات (التّعليم عن بُعد) إلى القرن الخامس قبل الميلاد مُعتمدةً في ذلك على أسلوب المُراسلات العِلمية لأفلاطون وبعض الفلاسفة اليونانيين الآخرين مع تلامذتِهم، حيث كانوا يعتمدون التَّراسل فيما بينهم وبين المهتمِّين بفكرِهم وطلّاب المعرفة، غير أنَّ هذه الحقبة من التَّعليم عن طريق التَّراسل لم تكن لديها طوابع ولا مكاتب بريدية منظمة يعتمد عليها كلّ مِن المعلّم والمتعلّم للتواصل الرّسمي المُوَثّق، ولم تكن هناك مؤسسة رسمية للقيام بالأمور الإدارية.
وللتعليم عن بُعد أصول في الحضارة الإسلامية وبين علماء الطَّرائق الفكرية في العصر العباسي، حيث عرف طلاب العِلم أنماطاً مِن التّعلُّم التي تُشبه إلى حدٍّ كبير في خصائصها التّعلُّم عن بُعد، فكان نظام التعليم في المجالس العِلمية والكتاتيب يُتيح للمتعلّمين حرية اختيار المواد التي يدرسونها والحلقة الدّراسية، والمُدرّس الذي يتولّى تدريسهم، والوقت المناسب للدراسة، وعدد مرات الحضور، علماً أنّ الطّالب كان ينجز ما يكلِّفه به المُدرِّس فردياً دون أن يرتبط بزملائه في تقدّمه الدراسي، وما ذلك إلاّ شكلٌ مِن أشكال التّعلّم عن بُعد، أو على الأقل في بعض سِماته، بل كانت عملية التّعلّم لا تمنع الدّارس مِن أداءِ عمل مُعيّن يكتسب منه رزقه.
كما سبق للعالِم الاجتماعي ابن خلدون  أن تناولَ موضوع (التعليم عن بعد)؛ ويقصد بذلك الاعتماد على الكُتب والشّروح والتعليقات، كوسائط تعليمية سائدة في عصرِه، مثلما يُسْتَنَدُ في العصر الرّاهن على المحاضرات المُسجَّلة والملفات الإلكترونية وبرامج التفاعل بالصّوت والصّورة في الفضاء الافتراضي، فكان لا يرى غضاضة في اختيار التعليم عن بُعد خلال الظروف التي قد تكون سبباً في امتناع التواصل المباشر بين العالِم والمُتعلم، وإنْ كان الكمال هنا يتطلَّب وجود المُعلِّم.
وبناء على ما سلف؛ فإنَّ التّعليم عن بُعد على الرغم من أنه مَدلول جديد تشكَّلت ملامِحه بوضوح في زمن التّقنية غير أن إرهاصاته الأولى أصَّلت لفلسفته كنظام تعليمي واعد، وكنموذج مُلهِم للعالَم إلى أن أضحى مُكمِّلاً وداعماً بل ومُنافساً للتعليم الاعتيادي الحضوري في سياق التّعلُّم مُتعدِّد القنوات.

 

X
تساعدنا ملفات تعريف الارتباط في تحسين تجربة موقع الويب الخاص بك. باستخدام موقعنا ، أنت توافق على اسخدامنا لملفات تعريف الارتباط.
غلق