عنوان

التـنـوع الثقـــافي: إرث إنساني مشترك

التصنيف
عامة
المصدر
د. محمد شهمات, 2021
وصف
"التنوع الثقافي" هو إرث الإنسانية المشترك ومصدر للتبادل والإبداع، ينبغي الاعتراف به وإحسان التعامل معه كنظام متكامل تتميز به كل ثقافة بعينها لصالح الأجيال الحاضرة والمستقبلية.

في سياقِ أنثروبولوجيا العَولمة التي حوَّلت العالم إلى مُجرَّد قرية كونيّة صغيرة؛ تَعَزَّز الإيمان بالتنوع الثقافي كمشترك إنساني، للعودة إلى ماهية الإنسان، وإلى مقولة ابن خلدون الاجتماعية «أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه»  بحثاً عن شروط العُمران الأمثل وعوامل تماسُك المجتمع في ظلّ التعدّد. 
لقد أصبح مصطلح التنوع الثقافي كثير التداول في العصر الراهن، فحاول الباحثون في المجال تقديم تعريفات متعددة له رغم سعة معناه وتطوره عبر الزمن. وعموماً فإن مصطلح التنوع الثقافي يشير إلى تباين المجتمعات والأنماط الثقافية السائدة فيها، من حيث تناول الاختلافات الإثنية واللغوية والمعتقدات الدينية والهوية والجنسية . 
وعليه؛ فإن "التنوع الثقافي" هو إرث الإنسانية المشترك ومصدر للتبادل والإبداع، ينبغي الاعتراف به وإحسان التعامل معه كنظام متكامل تتميز به كل ثقافة بعينها لصالح الأجيال الحاضرة والمستقبلية. فمِن شأن التنوع الثقافي رغم التحديات المُحدِقة به أن يُوَفِّر مجالاً أوسع "للتَّثاقُف" والحوار المتكافئ بين الثقافات، وإزالة الحواجز لاسيماً في الألفية الثالثة، بفضل ما أتاحته تكنولوجيا وسائل الاتصال لشعوب العالم من الانفتاح القسري، وتحقيق مساحة أكبر للتقارب وقبول الآخر على أسس أخلاقية.

إن كُتب الله وصُحفه وما تضمنته من مفاهيم لرسالات سماوية وقيمها السامية تُوَجِّه للتعاطي الإيجابي مع واقع التنوع والاختلاف، فالتَّعارف الذي تحثُّ عليه الآية البَيّنة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا...)  هو غاية مِن غايات هذا التنوع في الخلق من ألسن وثقافات وأديان وجنسيات مختلفة، وكيفية التسامي على عوامل الخلاف، إثراءً للتجارب وارتقاءً بالمجتمعات المعاصرة إلى مستوى التعايش الحضاري المنشود . 
إن "صحيفة المدينة"، و"وثيقة نصارى نجران" ووثائق كثيرة ذكرتها كتب التاريخ كلها أرست قيم "المواطنة" في سياق التنوع الثقافي عبر التاريخ العربي والإسلامي، وتدلُّ على التعايش الثقافي وعدم إقصاء الآخر، لتحقيق التساكن بين مختلف مكوّنات المجتمع الجديد، وهي أمثلة واقعية لمواثيق وعهود أبرَمها رسول الإنسانية عليه الصلاة والسلام مع المختلف دينياً وعقدياً كأنموذج حضاري ومثالي لمجال العلاقة بين المسلمين وغيرهم وكيفية التعامل مع الآخر في زمننا المعاصر.
إنَّ التنوُّع الثقافي باعتباره سُنة كونية عميقة الوجود في حياة الإنسان هو ثراء ثقافي للناس كافة، ومصدر للتبادل والتجديد والابداع بين مكونات المجتمع، ودعامة قوية لبناء ثقافة السلام واستراتيجيات التنمية في المجتمعات الحديثة.

X
تساعدنا ملفات تعريف الارتباط في تحسين تجربة موقع الويب الخاص بك. باستخدام موقعنا ، أنت توافق على اسخدامنا لملفات تعريف الارتباط.
غلق