فن القراءة الأصيل.. والفضول الفكري

للقراءة فنون كثيرة أهمها: الفضول الفكري، ذلك الفن الأصيل في التعامل مع القراءة، وهو الرغبة الملحة في الفهم العميق وإدراك الأشياء وتصورها شغفًا وحبًا لمعرفة تفاصيل ما تحتويه سطور اللغة المقروءة، ويعتبر الفضول الفكري بوابة المعرفة الأولى للقارئ المثالي، ذلك من يمسك كتابه ويتفنن في علاقته معه؛ كصديق فضولي يستمتع بالسؤال ويبحث عن الإجابة بين السطور والصفحات دون ملل أو كلل..

وكما قال الأديب العالمي: (الدكتور/‏ ألبرتو مانغويل) في كتابه (فن القراءة) حول القارئ المثالي: «هو المترجم، القادر على تشريح النصّ، سلخ الجلد، تقطيع اللب إلى شرائح، متابعًا كل شريان وكل وريد، ومن ثم يوقِف كائنًا واعيًا جديدًا بالكامل على قدميه».

إذاً الفضول الفكري هو ليس زادًا من المواد، بقدر ما هو أفق يبدأ في بناء العقل البشري وتوسيع مداركه واستثمار طاقته في عملية التكوين الذهني المستمرة، لتجعل منه فردًا واعيًا ومفكرًا رائدًا بحواراته البناءة مع من حوله؛ وهذا ما يفسر القراءة السيكولوجية التي خرّجت لنا في هذا العالم القُراء والأدباء والكُتاب والمُترجمين ورواد الأدب والثقافة.

ومن أهم مواضيع البحث في سيكولوجية القراءة دراسة مفهوم الصنف القرائي التي تصنف لنا القرّاء من خلال الخصائص الشخصية المشتركة، كالمزاج والاتجاه والطباع، والقدرات والمهارات، والدوافع والاهتمامات التي لها أثر كبير في تحديد هوية القارئ. كذلك ومن أهم عمليات سيكولوجية القراءة هي عملية الفهم البنائية التي تندرج تحت العمليات العقلية المعرفية - ليست ببسيطة بل معقدة ومتداخلة ـ بقدر ما تتطلب من القارئ استخدام المعلومات الظاهرة والضمنية لفهم الرسالة المكتوبة من خلال التراكيب اللغوية مما يجعل عملية الفهم هدف كل قارئ، ومقصداً لكل متعلم. كما نجد في ذلك أن القارئ المثالي يمكنه الفهم والتنبؤ بالمحتوى المقروء؛ لأنه على وعي بالميكانيزمات والاستراتيجيات القرائية المستخدمة.

والفضول الفكري هو فن، ومهارة، التمُرس فيها يُعزز عمليات الفهم والتعلم، ويصقل مهارات القراءة والطرح والنقاش، والتفكير التحليلي الذي يساعد الأفراد في تحديد اتجاهاتهم ودوافعهم واهتماماتهم القرائية، وهناك علاقة بين كل هذه العمليات والمهارات التي تعتبر من أساسيات التحفيز للإبداع الذاتي والمجتمعي في مجال المعرفة..